مصياف والقدموس والمرقب في كتاب العلامة عبد الغني النابلسي
صفحة 1 من اصل 1
مصياف والقدموس والمرقب في كتاب العلامة عبد الغني النابلسي
مصياف والقدموس والمرقب في كتاب العلامة عبد الغني النابلسي
<blockquote class="postcontent restore ">
عبد الغني النابلسي
(1050 - 1143 هـ = 1641 - 1731 م)
عبد
الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي: شاعر، عالم بالدين والادب، مكثر
من التصنيف، متصوف. ولد ونشأ في دمشق. ورحل إلى بغداد، وعاد إلى سورية،
فتنقل في فلسطين ولبنان، وسافر إلى مصر والحجاز، واستقر في دمشق،
وتوفي
بها. له مصنفات كثيرة جدا، منها " الحضرة الانسية في الرحلة القدسية " و "
وتعطير الانام في تعبير المنام " و " ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع
الاحاديث " فهرس لكتب الحديث الستة، و " علم الفلاحة " و " نفحات الازهار
على نسمات الاسحار " و " إيضاح الدلالات في سماع الآلات " و " ذيل نفحة
الريحانة " و " حلة الذهب الابريز، في الرحلة إلى بعلبك وبقاع العزيز " و
" الحقيقة والمجاز، في رحلة الشام ومصر والحجاز " و " قلائد المرجان في
عقائد أهل الايمان " ، و " جواهر النصوص " جزآن، في شرح فصوص الحكم. لابن
عربي، و " شرح أنوار التنزيل للبيضاوي " و " كفاية المستفيد في علم
التجويد " و " الاقتصاد في النطق بالضاد " تجويد، و " مناجاة الحكيم
ومناغاة القديم " تصوف، و " خمرة الحان " شرح رسالة الشيخ أرسلان، و "
خمرة بابل وغناء البلابل " من شعره، في الظاهرية، و " ديوان الحقائق " من
شعره، و " الرحلة الحجازية والرياض الانسية " و " كنز الحق المبين في
أحاديث سيد المرسلين " و " الصلح بين الاخوان في حكم إباحة الدخان " و "
شرح المقدمة السنوسية " و " رشحات الاقلام في شرح كفاية الغلام " في فقه
الحنفيه، و " ديوان الدواوين " مجموع شعره،
زار
عبد الغني النابلسي مدينة مصياف والقدموس والمرقب خلال رحلته التي قام بها
إلى الشام والحجاز وقدم بعض الوصف لواقع المدينتين في ذلك الزمن وما كان
فيها من عمارة .. حيث نزل في ضيافة المقدم سليمان أمير مصياف وشقيقه
المقدم شاهين أمير القدموس وهما من أجداد عائلة المير المعروفة اليوم ..
وإليكم ما ورد في كتاب الحقيقة والمجاز في رحلة الشام ومصر والحجاز لعبد الغني النابلسي :
اليوم الثالث عشر
13 /1/ 1105 هجرية الموافق 13/ 10 /1693 ميلادية
قلعة مصياف
حتى وصلنا وقت غروب الشمس إلى قلعة مصياف بالصاد المهملة ، وفي آخرها فاء ، وبعضهم يقول مصياط فيجعل الفاء طاء مهملة .
قال في القاموس : أرضٌ مِصيافٌ مستأخرة النبات . وأرضٌ مِصيافٌ كثر بها مطر الصيف . انتهى
وذكر
لنا بعض أهل حماة أن هذه القلعة سميت قلعة مصياف لأن أهل حماة كانوا
يذهبون إليها في زمان الصيف لرطوبتها واعتدال هوائها بسبب ارتفاعها وعلوها
.
وأما الطاء فقال في القاموس : الصوط : صوط من ماء وهو ما ضاقت منقعه وقد انمد . والصياط بالكسر اللغط العالي . انتهى
فكأنها
سميت بذلك لامتداد ما ضاق من مناقع مائها ، ونزوله تلك الأودية ، أو لكثرة
لغط أهلها والله أعلم بحقيقة الحال . وفي ذلك نقول على البديهية في وقت
الوصول : من الرمل
إن مصياط بلادٌ دربها ... كله وعرٌ فلا يحتملْ
قلعةٌ من حولها أوديةٌ ... باطلٌ في السير فيها البطلْ
كلما قلنا قطعنا جبلاٌ ... بعده للعين يبدو جبلْ
تارةً تبدو وتخفى تارةً ... فكأنها من فقيه حيلْ
فصعدنا
في تلك القلعة . وسورها منقلع بالتهدم أيّما قلعة . وبتنا في برجها ذلك
العالي ، وفيه بعض التماسك ، ولكن نهاره مظلم كليل من بعض الليالي ، ثم
قلنا فيه بلسانه وفيه : ( من الطويل )
أتينا إلى المصياف والوغر زائدٌ ... من الحرِّ والوعر الذي أتعب المتنا
ولم ندرِ هل في برج قلعتها نرى ... أمِ القبر بِتْنا حيث من تعبٍ مُتنا
وهي
بلاد قديمة البناء متكسرة الإناء ، وكان بانيها فيما وصل إلينا رجل من
العلماء العاملين ، يقال له محمد أبو الفتوح ، واسمه مكتوب على كل باب من
أبوابها .
وقد كانت عمارة سورها وقلعتها سنة ست
وأربعين وخمس مائة ، ولها ثلاثة أبواب مفتوحات وباب مسدود وفيها جوامع
خربة ، ومآذن كثيرة ، وغالب بيوتها خراب ، وقد جعلت بساتين وصحراوات ،
وكان أميرها يقال له المقدم سليمان ، فاجتمعنا به في حماة المحروسة ،
وجئنا بصحبته إلى هذه القلعة مع جملة الناس ، حتى بتنا هناك في أرغد عيش
وأكمل سرور .
اليوم الرابع عشر
14/ 1/ 1105 للهجرة الموافق 14/ 10 /1693 للميلاد
ثم لما أصبحنا في يوم الأربعاء وهو اليوم الرابع عشر من المحرم من هذا السفر
بلاد القدموس
ذهبنا
على بركة الله تعالى إلى جهة بلاد القدموس ، وقد ذهب معنا جماعة من أهل
مصياف ، فمشينا في وعر أكثر من الأول ووغر شديد هو أعرض وأطول ، حتى قلنا
في النظام في ذلك المقام : ( مجزوء الرمل )
إن درب القدموس ... متعب كل النفوسِ
كم صعدنا في صخورٍ ... بأيادٍ ورؤوسِ
وهبطنا كل وادٍ ... ثم في همٍ وبوسِ
بين أشجارٍ قيامٍ ... حول أحجارٍ جلوسِ
وجميع الدرب معو ... ج كأديان المجوسِ
فيه ضيقٌ والتفافٌ ... ليس ينجاب بقوسِ
حتى
وصلنا بمعونة الله تعالى وعظيم لطفه قبيل العصر إلى بلدة القدموس وهي على
ما هو المشهور بين الناس بفتح القاف والدال المهملة وضم الميم وفي آخرها
سين مهملة ، وبعضهم يسكن الدال .
وفي القاموس :
القدموس - كعصفور - القديم ، والملك الضخم ، والعظيم من الإبل ،والجمع
القداميس . والقدموسة من الصخور والنساء : الضخمة العظيمة . انتهى
فلعلها سميت بذلك لقدمها ، أو لأن بانيها كان ملكاً عظيماً ، أو لما فيها وفي طرقها من الصخور العظام ، والله أعلم بحقيقة الحال ،
فنزلنا
فيها عند فخر الأمراء الكرام المقدم شاهين ، وهو أخو المقدم سليمان
المتقدم ذكره في مصياط ، وهما من بني تنوخ حي في اليمن ولا تشدد النون ،
كذا ذكره الجوهري في الصحاح والناس الآن يشددون غلطا منهم .
والقدموس
الآن بلدة غالبها خراب ، ولها قلعة عظيمة بعمارة متينة ، وقد تهدم بعضها .
وأهلها كأهل مصياف المتقدم ذكرها وأهل المرقب اشتهر عنهم أنهم إسماعيلية .
وفي خارج القلعة جامع واسع عظيم فيه محراب ومنبر ومنارة يقول مؤذنها : الله أكبر . فذهبنا وصلينا العصر هناك بالجماعة .
قبر شيث نبي الله عليه السلام
ثم
عند خروجنا من الجامع المذكور أُخبرنا أن هناك قبر شيث نبي الله عليه
السلام على رأس جبل عال ، فرأيناه من بعد وقرأنا له الفاتحة ، وذكر لنا أن
المرضى وأهل العاهات يذهبون إلى مزاره للتبرك به فيحصل لهم الشفاء
والعافية ، وذكر لنا أن اسداً يأتيه في كل سنة مرة ويزوره .
والظاهر
المشهور أن قبر شيث عليه السلام بالقرب من بلدة بعلبك ، وقد زرناه هناك
وتبركنا به وتكلمنا عليه في رحلتنا الصغرى إلى البقاع العزيز .
ثم عدنا إلى مكاننا ومنزلنا ذلك ، فأكرمنا غاية الإكرام المقدم شاهين المذكور ، وقلنا في ذكر أوصافه من النظام : ( من الخفيف )
سدتم الناس يا كرام تنوخ ... بالندا والحجا وفرط الرسوخِ
ونما فرعكم وفي القدموس ... الأصلُ زاكٍ بصبيةٍ وشيوخِ
قد نعمنا لدى حماكم نهاراً ... مع ليلٍ من ضده مسلوخِ
وشهدنا الأمير شاهين بحراً ... في الندى لا تخيُّل اليافوخِ
لابساً ثوب هيبةٍ ووقارٍ ... فهو يغنيه عن لباس الجوخِ
وله همةٌ لبذل نوالٍ ... وطعامٌ لضيفه مطبوخِ
وسليمان ذو الكمال أخوه ... سار في رقعة الندى كالرخوخِ
حفظ الله منهما كل شهم ٍ ... نافخٍ روح مجده منفوخِ
وأدام العلا وكل فخارٍ ... لهما إِذْ هما أصول الفروخِ
أمدَ الدهر ما استقر غريبٌ ... آمناً في حمى رجالِ تنوخِ
اليوم الخامس عشر
15 /1/ 1105 للهجرة الموافق 15/ 10 /1693 للميلاد
قلعة المرقب
ثم
أصبحنا في يوم الخميس الخامس عشر من المحرم من هذا السفر ، سرنا على بركة
الله تعالى إلى جهة قلعة المرقب ، وسلكنا ذلك الطريق الوعر الصعب ، وكان
معنا يدلنا على لطريق من أهل ذلك الفريق ، وقد قلنا في ذلك : ( من السريع )
مصياط والقدموس والمرقبُ ... ثلاثة ما مثلها متعبُ
طريقها وعرٌ وأشجارها ... ملتفةٌ كأنها اللولبُ
يكاد من يسلكها أنه ... في ذلك المسلك لا يذهب
.....
إلى أن وصلنا إلى قلعة المرقب قبيل العصر .
فصعدنا
إليها ، فإذا هي من أعظم القلاع ، مرتفعة في الهواء غاية الإرتفاع وفيها
جامع كبير ، إلى كمال زخرفة في شبابه يشير ، والقلعة على خمسة طبقات ، كل
طبقة منها مشتملة على طبقات متعددة .
قال
في المصباح المنير : رقبته رقوباً من باب قعد حفظته فأنا رقيب والمرقب -
وازن جعفر - المكان المشرف يقف عليه الرقيب وتزداد الهاء فيقال مرقبة .
انتهى
فبتنا في تلك القلعة ونحن في غاية الصفاء والسرور ، وكان نزولنا عند المقدم مصطفى محافظ تلك القلعة وأمير ذلك السور .
اليوم السادس عشر
16 / 1 / 1105 للهجرة الموافق 16 / 10 / 1693 للميلاد
فلما أصبحنا في يوم الجمعة وهو السادس عشر من المحرم من هذا السفر قلنا من النظام : ( مجزوء الرمل )
قلعة المرقب طالت ... بارتفاع في الهواء
إنما الأبراج منها ... مثل أبراج السماء
ثم
إننا قمنا ودرنا في اماكن هذه القلعة ذات الحصون المتينة والمنيعة ، فإذا
هي قلعة كبيرة واسعة جداً حتى إننا رأينا رجلاً كبيراً في السن اخبرنا أن
عمره ثمانين سنة ، وذكر لنا أنه لم يستوف جميع أماكنها بل بقي عليه أماكن
كثيرة لم يعرفها ، وهو طول عمره ساكن هناك , وقد جلنا في بعض جوانبها
وصعدنا إلى بعض أبراجها ، ومكثنا ذلك اليوم عند المقدم حسين وكان قد دعانا
إلى داره في القلعة المذكورة ، فجعل لنا ضيافة عظيمة وبتنا هناك .
(1050 - 1143 هـ = 1641 - 1731 م)
عبد
الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي: شاعر، عالم بالدين والادب، مكثر
من التصنيف، متصوف. ولد ونشأ في دمشق. ورحل إلى بغداد، وعاد إلى سورية،
فتنقل في فلسطين ولبنان، وسافر إلى مصر والحجاز، واستقر في دمشق،
وتوفي
بها. له مصنفات كثيرة جدا، منها " الحضرة الانسية في الرحلة القدسية " و "
وتعطير الانام في تعبير المنام " و " ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع
الاحاديث " فهرس لكتب الحديث الستة، و " علم الفلاحة " و " نفحات الازهار
على نسمات الاسحار " و " إيضاح الدلالات في سماع الآلات " و " ذيل نفحة
الريحانة " و " حلة الذهب الابريز، في الرحلة إلى بعلبك وبقاع العزيز " و
" الحقيقة والمجاز، في رحلة الشام ومصر والحجاز " و " قلائد المرجان في
عقائد أهل الايمان " ، و " جواهر النصوص " جزآن، في شرح فصوص الحكم. لابن
عربي، و " شرح أنوار التنزيل للبيضاوي " و " كفاية المستفيد في علم
التجويد " و " الاقتصاد في النطق بالضاد " تجويد، و " مناجاة الحكيم
ومناغاة القديم " تصوف، و " خمرة الحان " شرح رسالة الشيخ أرسلان، و "
خمرة بابل وغناء البلابل " من شعره، في الظاهرية، و " ديوان الحقائق " من
شعره، و " الرحلة الحجازية والرياض الانسية " و " كنز الحق المبين في
أحاديث سيد المرسلين " و " الصلح بين الاخوان في حكم إباحة الدخان " و "
شرح المقدمة السنوسية " و " رشحات الاقلام في شرح كفاية الغلام " في فقه
الحنفيه، و " ديوان الدواوين " مجموع شعره،
زار
عبد الغني النابلسي مدينة مصياف والقدموس والمرقب خلال رحلته التي قام بها
إلى الشام والحجاز وقدم بعض الوصف لواقع المدينتين في ذلك الزمن وما كان
فيها من عمارة .. حيث نزل في ضيافة المقدم سليمان أمير مصياف وشقيقه
المقدم شاهين أمير القدموس وهما من أجداد عائلة المير المعروفة اليوم ..
وإليكم ما ورد في كتاب الحقيقة والمجاز في رحلة الشام ومصر والحجاز لعبد الغني النابلسي :
اليوم الثالث عشر
13 /1/ 1105 هجرية الموافق 13/ 10 /1693 ميلادية
قلعة مصياف
حتى وصلنا وقت غروب الشمس إلى قلعة مصياف بالصاد المهملة ، وفي آخرها فاء ، وبعضهم يقول مصياط فيجعل الفاء طاء مهملة .
قال في القاموس : أرضٌ مِصيافٌ مستأخرة النبات . وأرضٌ مِصيافٌ كثر بها مطر الصيف . انتهى
وذكر
لنا بعض أهل حماة أن هذه القلعة سميت قلعة مصياف لأن أهل حماة كانوا
يذهبون إليها في زمان الصيف لرطوبتها واعتدال هوائها بسبب ارتفاعها وعلوها
.
وأما الطاء فقال في القاموس : الصوط : صوط من ماء وهو ما ضاقت منقعه وقد انمد . والصياط بالكسر اللغط العالي . انتهى
فكأنها
سميت بذلك لامتداد ما ضاق من مناقع مائها ، ونزوله تلك الأودية ، أو لكثرة
لغط أهلها والله أعلم بحقيقة الحال . وفي ذلك نقول على البديهية في وقت
الوصول : من الرمل
إن مصياط بلادٌ دربها ... كله وعرٌ فلا يحتملْ
قلعةٌ من حولها أوديةٌ ... باطلٌ في السير فيها البطلْ
كلما قلنا قطعنا جبلاٌ ... بعده للعين يبدو جبلْ
تارةً تبدو وتخفى تارةً ... فكأنها من فقيه حيلْ
فصعدنا
في تلك القلعة . وسورها منقلع بالتهدم أيّما قلعة . وبتنا في برجها ذلك
العالي ، وفيه بعض التماسك ، ولكن نهاره مظلم كليل من بعض الليالي ، ثم
قلنا فيه بلسانه وفيه : ( من الطويل )
أتينا إلى المصياف والوغر زائدٌ ... من الحرِّ والوعر الذي أتعب المتنا
ولم ندرِ هل في برج قلعتها نرى ... أمِ القبر بِتْنا حيث من تعبٍ مُتنا
وهي
بلاد قديمة البناء متكسرة الإناء ، وكان بانيها فيما وصل إلينا رجل من
العلماء العاملين ، يقال له محمد أبو الفتوح ، واسمه مكتوب على كل باب من
أبوابها .
وقد كانت عمارة سورها وقلعتها سنة ست
وأربعين وخمس مائة ، ولها ثلاثة أبواب مفتوحات وباب مسدود وفيها جوامع
خربة ، ومآذن كثيرة ، وغالب بيوتها خراب ، وقد جعلت بساتين وصحراوات ،
وكان أميرها يقال له المقدم سليمان ، فاجتمعنا به في حماة المحروسة ،
وجئنا بصحبته إلى هذه القلعة مع جملة الناس ، حتى بتنا هناك في أرغد عيش
وأكمل سرور .
اليوم الرابع عشر
14/ 1/ 1105 للهجرة الموافق 14/ 10 /1693 للميلاد
ثم لما أصبحنا في يوم الأربعاء وهو اليوم الرابع عشر من المحرم من هذا السفر
بلاد القدموس
ذهبنا
على بركة الله تعالى إلى جهة بلاد القدموس ، وقد ذهب معنا جماعة من أهل
مصياف ، فمشينا في وعر أكثر من الأول ووغر شديد هو أعرض وأطول ، حتى قلنا
في النظام في ذلك المقام : ( مجزوء الرمل )
إن درب القدموس ... متعب كل النفوسِ
كم صعدنا في صخورٍ ... بأيادٍ ورؤوسِ
وهبطنا كل وادٍ ... ثم في همٍ وبوسِ
بين أشجارٍ قيامٍ ... حول أحجارٍ جلوسِ
وجميع الدرب معو ... ج كأديان المجوسِ
فيه ضيقٌ والتفافٌ ... ليس ينجاب بقوسِ
حتى
وصلنا بمعونة الله تعالى وعظيم لطفه قبيل العصر إلى بلدة القدموس وهي على
ما هو المشهور بين الناس بفتح القاف والدال المهملة وضم الميم وفي آخرها
سين مهملة ، وبعضهم يسكن الدال .
وفي القاموس :
القدموس - كعصفور - القديم ، والملك الضخم ، والعظيم من الإبل ،والجمع
القداميس . والقدموسة من الصخور والنساء : الضخمة العظيمة . انتهى
فلعلها سميت بذلك لقدمها ، أو لأن بانيها كان ملكاً عظيماً ، أو لما فيها وفي طرقها من الصخور العظام ، والله أعلم بحقيقة الحال ،
فنزلنا
فيها عند فخر الأمراء الكرام المقدم شاهين ، وهو أخو المقدم سليمان
المتقدم ذكره في مصياط ، وهما من بني تنوخ حي في اليمن ولا تشدد النون ،
كذا ذكره الجوهري في الصحاح والناس الآن يشددون غلطا منهم .
والقدموس
الآن بلدة غالبها خراب ، ولها قلعة عظيمة بعمارة متينة ، وقد تهدم بعضها .
وأهلها كأهل مصياف المتقدم ذكرها وأهل المرقب اشتهر عنهم أنهم إسماعيلية .
وفي خارج القلعة جامع واسع عظيم فيه محراب ومنبر ومنارة يقول مؤذنها : الله أكبر . فذهبنا وصلينا العصر هناك بالجماعة .
قبر شيث نبي الله عليه السلام
ثم
عند خروجنا من الجامع المذكور أُخبرنا أن هناك قبر شيث نبي الله عليه
السلام على رأس جبل عال ، فرأيناه من بعد وقرأنا له الفاتحة ، وذكر لنا أن
المرضى وأهل العاهات يذهبون إلى مزاره للتبرك به فيحصل لهم الشفاء
والعافية ، وذكر لنا أن اسداً يأتيه في كل سنة مرة ويزوره .
والظاهر
المشهور أن قبر شيث عليه السلام بالقرب من بلدة بعلبك ، وقد زرناه هناك
وتبركنا به وتكلمنا عليه في رحلتنا الصغرى إلى البقاع العزيز .
ثم عدنا إلى مكاننا ومنزلنا ذلك ، فأكرمنا غاية الإكرام المقدم شاهين المذكور ، وقلنا في ذكر أوصافه من النظام : ( من الخفيف )
سدتم الناس يا كرام تنوخ ... بالندا والحجا وفرط الرسوخِ
ونما فرعكم وفي القدموس ... الأصلُ زاكٍ بصبيةٍ وشيوخِ
قد نعمنا لدى حماكم نهاراً ... مع ليلٍ من ضده مسلوخِ
وشهدنا الأمير شاهين بحراً ... في الندى لا تخيُّل اليافوخِ
لابساً ثوب هيبةٍ ووقارٍ ... فهو يغنيه عن لباس الجوخِ
وله همةٌ لبذل نوالٍ ... وطعامٌ لضيفه مطبوخِ
وسليمان ذو الكمال أخوه ... سار في رقعة الندى كالرخوخِ
حفظ الله منهما كل شهم ٍ ... نافخٍ روح مجده منفوخِ
وأدام العلا وكل فخارٍ ... لهما إِذْ هما أصول الفروخِ
أمدَ الدهر ما استقر غريبٌ ... آمناً في حمى رجالِ تنوخِ
اليوم الخامس عشر
15 /1/ 1105 للهجرة الموافق 15/ 10 /1693 للميلاد
قلعة المرقب
ثم
أصبحنا في يوم الخميس الخامس عشر من المحرم من هذا السفر ، سرنا على بركة
الله تعالى إلى جهة قلعة المرقب ، وسلكنا ذلك الطريق الوعر الصعب ، وكان
معنا يدلنا على لطريق من أهل ذلك الفريق ، وقد قلنا في ذلك : ( من السريع )
مصياط والقدموس والمرقبُ ... ثلاثة ما مثلها متعبُ
طريقها وعرٌ وأشجارها ... ملتفةٌ كأنها اللولبُ
يكاد من يسلكها أنه ... في ذلك المسلك لا يذهب
.....
إلى أن وصلنا إلى قلعة المرقب قبيل العصر .
فصعدنا
إليها ، فإذا هي من أعظم القلاع ، مرتفعة في الهواء غاية الإرتفاع وفيها
جامع كبير ، إلى كمال زخرفة في شبابه يشير ، والقلعة على خمسة طبقات ، كل
طبقة منها مشتملة على طبقات متعددة .
قال
في المصباح المنير : رقبته رقوباً من باب قعد حفظته فأنا رقيب والمرقب -
وازن جعفر - المكان المشرف يقف عليه الرقيب وتزداد الهاء فيقال مرقبة .
انتهى
فبتنا في تلك القلعة ونحن في غاية الصفاء والسرور ، وكان نزولنا عند المقدم مصطفى محافظ تلك القلعة وأمير ذلك السور .
اليوم السادس عشر
16 / 1 / 1105 للهجرة الموافق 16 / 10 / 1693 للميلاد
فلما أصبحنا في يوم الجمعة وهو السادس عشر من المحرم من هذا السفر قلنا من النظام : ( مجزوء الرمل )
قلعة المرقب طالت ... بارتفاع في الهواء
إنما الأبراج منها ... مثل أبراج السماء
ثم
إننا قمنا ودرنا في اماكن هذه القلعة ذات الحصون المتينة والمنيعة ، فإذا
هي قلعة كبيرة واسعة جداً حتى إننا رأينا رجلاً كبيراً في السن اخبرنا أن
عمره ثمانين سنة ، وذكر لنا أنه لم يستوف جميع أماكنها بل بقي عليه أماكن
كثيرة لم يعرفها ، وهو طول عمره ساكن هناك , وقد جلنا في بعض جوانبها
وصعدنا إلى بعض أبراجها ، ومكثنا ذلك اليوم عند المقدم حسين وكان قد دعانا
إلى داره في القلعة المذكورة ، فجعل لنا ضيافة عظيمة وبتنا هناك .
مواضيع مماثلة
» غابات مصياف
» عادات من مصياف
» شقة للبيع في مصياف
» مصياف وتاريخها العريق
» يا الله ما أحلا جو مصياف ..
» عادات من مصياف
» شقة للبيع في مصياف
» مصياف وتاريخها العريق
» يا الله ما أحلا جو مصياف ..
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى